طرابلس تعيش أزمة مياه متفاقمة وصعبة والحلول غائبة
يختصر مشهد تجمّع صبية صغار أمام شاحنة صغيرة تحمل خزّانين كبيرين معبئين بمياه الشّرب تابعين لإحدى الجمعيات الخيريّة لتوزيعها على الأهالي في منطقة باب التبّانة الشّعبية والأكبر في طرابلس، عبر ملء غالونات بلاستيكية يحملونها بالمياه، أزمة المياه في المدينة، التي بات قرابة 700 ألف شخص يقيمون فيها وفي جوارها مهدّدون بالعطش.
لكنّ هذه الأزمة ليست وليدة السّاعة، فمنذ أشهر والتحذيرات تتوالى من قبل المسؤولين في مصلحة مياه طرابلس، وهي تحثّ الحكومة ووزارة الطاقة والمياه والهيئة العليا للإغاثة وكلّ الجهات الرسمية العليا، من أجل تزويد محطات الإنتاج والمعالجة والضخّ في مصلحة المياه بالتيّار الكهربائي من أجل تمكينها من العمل بشكل طبيعي، في ظلّ التقنين القاسي الذي عاشته المدينة طوال الفترة الماضية، وانقطاعه بشكلٍ تامٍ منذ أكثر من شهر.
وزاد الطين بِلّة أنّ مخزون مصلحة المياه من المازوت نفد فعلياً هذا الأسبوع، ما جعل الصرخة ترتفع مطالبة بإيجاد حلّ للأزمة، لكنّ المعالجات كانت خجولة. إذ أنّ إيعاز رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى محطة الكهرباء الكهرومائية الواقعة في منطقة البحصاص جنوب طرابلس لتزويد محطة المياه في المدينة بالكهرباء، وهي لا تحتاج أكثر من 2 ميغاوات كهرباء لتشغيلها، لم يستمر إلّا أيّاماً قليلة، وبشكل مقنن، قبل أن ينقطع التيّار كليّاً عن المحطة، من غير أن تجدي المناشدات والإتصالات التي أجريت لاحقاً نفعاً لإعادة التيّار إلى محطة المياه.
فضلاً عن ذلك، فإنّ مبادرة الهيئة العليا للإغاثة لمساعدة مصلحة مياه طرابلس بإيعاز أيضاً من ميقاتي وبطلب من قائمقام مفتي طرابلس والشّمال الشيخ محمد إمام كانت خجولة بدورها، إذ اقتصرت على تزويد المصلحة بـ10 آلاف ليتر من المازوت شهرياً، وهي كمية لا تكفي لتشغيل المحطة أكثر من 20 ساعة.
وعلى الرغم من إجتماعات عديدة عقدها نوّاب وفاعليات طرابلس لهذه الغاية، واعتصامات ولقاءات أجريت وشهدتها طرابلس خلال الآونة الأخيرة، فإنّ الأزمة بقيت على حالها، ما دفع رئيس قسم الإنتاج في المصلحة ورئيس نقابة العمال والمستخدمين فيها كمال مولود إلى تقديمه إستقالته من منصبه، مطلع الأسبوع الجاري، بعد وصوله والمصلحة إلى حائط مسدود، برغم أنّه لم يتبقَ على إحالته إلى التقاعد إلّا نحو أربعة أشهر تقريباً.
وبرّر مولود إستقالته بعدما “أصبحت طرابلس العاصمة الثانية من دون مياه”، حسب قوله، وبسبب “إنكفاء المسؤولين عن القيام بأبسط أدوارهم وواجباتهم للخروج من الأزمة”، واصفاً المرحلة بـ”الصعبة”، ومعتبراً أنّنا “مقبلون على كارثة ستحل بالطرابلسيين، لأنّ أزمة المياه في المدينة ستتفاقم في الأيّام المقبلة، والوضع فيها سيزداد سوءاً”، موضحاً أنّه “لا يمكننا تأمين المياه بالصورة الطبيعية من دون تأمين الكهرباء ونحن بحاجة فقط لـ 2 ميغاوات، وهو لم نستطع الحصول عليه”.
ورأى مولود أنّه “منذ 43 سنة عندما انضممت لفريق مصلحة مياه طرابلس لم يخطر ببالي، أنني سأكون أمام هذا الطريق المسدود في أشهري القليلة المتبقية في الخدمة رسمياً، وأنا الذي آمنت منذ بداياتي بدور المؤسّسات العامّة والإدارات لتأمين الخدمة للمواطنين بأفضل صورة وبأقل كلفة.
لكن أن يصبح الشّمال وطرابلس العاصمة الثانية من دون مياه فهذه أمّ المصائب وأهمها؛ لأنّ المياه هي حاجة يومية لكل إنسان مقيم في هذه المدينة، خصوصاً أنّ الواقع الإجتماعي/ الإقتصادي لأكثرية الناس غير قادرة على تأمين مصادر أخرى للمياه”.
مولود الذي لطالما حذّر من مخاطر أن نصل إلى مرحلة تكون فيها المعادلة أن “لا كهرباء يعني لا مياه”، لفت إلى أننا في المجلس التنفيذي لنقابة مستخدمي وعمال مؤسّسة مياه لبنان الشمالي “نشعر بحجم الأسى والحسرة، برغم الجهود لرفع المعاناة والإستمرار في العمل وتأمين الخدمة للناس”.
عبد الكافي الصمد